خطبة الجمعة القادمة : إذا كان الله معك فمن عليك؟ ، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح
خطبة الجمعة القادمة : “إذا كان الله معك فمن عليك؟”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.أما بعد:
فإن إحساس المؤمن بحفظ الله له، ويقينه أنَّ الله معه؛ يَسمعه إذا شكا، ويُجيبه إذا دعا، ويأخذ بيده إذا كبا، ويمدُّه إذا ضعُف، ويعينه إذا احتاج، ويلطف به إذا خاف، كلُّ ذلك من أسباب ارتياح النفس وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب وتيسير الأمر، وطيب العاقبة في العاجل والآجل؛ فإنَّ ثقة العبد بربِّه ويقينه بأنه – سبحانه – المتولي لأموره، وأنه – تعالى – سائقُ كلِّ خير، وكاشفُ كل ضر – لا تتركه نهبًا للوساوس والأوهام، ولا تلقيه في بيداء اليأس من روح الله، أو ظلمة القنوط من رحمة الله؛ بل تجعله يضرع إلى الله – تعالى – عند كلِّ نازلة، ويستجير به عند كل مصيبة، ويشكره ويذكُره، ويحمده عند كلِّ نعمة ورحمة، فيتَّجه إلى الله في سائر أحواله، داعيًا متضرعًا موقنًا بالإِجابة، منتظرًا للفرج من الله، لا يتَّجه إلى غيره، ولا يُنزل حاجتَه بسواه: “أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ”(النمل/٦٢)، فيتذكَّر ربَّه في كلِّ أحواله ذاكرًا وشاكرًا على السرَّاء، وصابرًا ضارعًا منتظرًا للفرج عند الضرَّاء، ويسأل الله أن يجود عليه بحفظ النعماء، والعافية من البلاء، واللطف في القضاء.
إخوة الإيمان :” فالله – جل وعلا – فوق السماوات السبع، مُستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، ومعية الله لخلقه لا تُناقِضُ علُوَّه، وعلوُّهُ واستواؤه على عرشه لا يُنافِي معيَّتَهُ؛ لأن معيَّةَ الله لخلقه تكون على معنيين، هما:
معيَّة عامة شاملة لجميع الخلق المؤمن والكافر: وهي بمعنى: أنه مع خلقه بعلمه، ومشيئته، وإحاطته، ونفوذ أمره، وقدرته، وقهره، وإحاطته، لا يغيب عنه شيءٌ، ولا يُعجِزُه.
كما في قوله تعالى:”أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”(المجادلة/7).
معيَّة خاصة: وهي معيَّته لرسله – تعالى، وأوليائه بالنصر، والتأييد، والمحبة، والتوفيق، والإلهام؛ كقوله: “لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا”، وكقوله: “إِنَّ اللهَ مَعَ الذِيْنَ اتَّقَوْا وَالذِيْنَ هُمْ مُحْسِنُونَ”(النحل/128).، فالمراد بالمعيَّة هنا: معيَّة الحفظ، والنصر، والعصمة من الأعداء. ومن شأن المؤمن استشعار معية الله والطمأنينة إليه..
إخوة الإيمان والإسلام
الله مع من؟ ومن مع الله ؟
الله عزو جل مع من كان معه ومن ذكره ومن أحسن إلي خلقه ومن اتقاه ومن شكره ومن صلي وزكي وأمن برسله ..
الله مع المتقين المحسنين :
فاتقوا الله – عبادَ الله – وثقوا بمعية الله للمؤمنين؛ فإنَّها لكلِّ مَن اتقى الله في سرِّه وعلنه، وأحسن ابتغاء وجه الله في قوله وعمله: “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْاوَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ “النحل/١٢٨). وهي المعيَّة الخاصة التي مقتضاها العون والتسديد، والحفظ والتأييد، واللطف بالعبيد، ومَن كان الله معه فقد آوى إلى ركنٍ شديد. والذين اتقوا هم الذين عظموا أمر الله باتباع الأوامر واجتناب النواهي والذين هم محسنون هم اهل الشفقة والرحمة علي خلق الله ومعني أن الله مع هؤلاء أي أنه يتولاهم بالحماية والرعاية ومن كان الله معه فقد ربح كل شيء وذلك هو الفوز العظيم ومن طرده الله من معيته فقد خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين .. :”لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أولئك أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ “(يونس/26). “قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ “(الزمر/١٠).”
إن الله مع الصابرين :”
أيها المسلمون:
ليس للمصائب حدٌّ تقف عنده، ولا للبلايا نهاية في هذه الحياة، ولا للفجائع التي تحدُث في الزمن لونٌ خاص؛ فكلُّ مصيبة أو بليَّة أو محنة يجب اتقاء أسبابها قدر المستطاع، فإذا وقعتْ تعيّن الصبر عليها، وانتظار حُسن عاقبتها، والخلف منها، واحتِساب أجرها عند مُقدِّرها ومُجرِيها – تبارك وتعالى:”مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”(التغابن/١١).
وكفي اخي المسلم أن يكون الله مع الصابرين:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”(البقرة/153). فقوله: ” يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة “، اعلموا أنهما عَونٌ على طاعة الله.وأما قوله: ” إن الله مع الصابرين “، ومعني ان الله مع الصابرين أي: فإن الله نَاصرُه وظَهيرهُ وراضٍ بفعله, كقول القائل: ” افعل يَا فلان كذا وأنا معك “, يعني: إني ناصرُك على فعلك ذلك ومُعينك عليه.
وكم في الصبر على المكاره من جميل العواقب، وكريم العوائد، التي أعظمُها تجريد التوحيد بالإخلاص لله وحده، وصرْف القلوب عن التعلُّق بالعبد، ومنها زيادة الهدى والإيمان، وعظم الأجر في الميزان، وتكفير الخطايا، ورفعة الدرجات، ومضاعفة الحسنات: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ “(البقرة/ ١٥٥-١٥٧).،
فالصبر ذخر وضياء، وخير ما تحلَّى به العبدُ عند البلاء، وحال البأساء والضراء، كيف لا وقد وعَدَه الله بنصره وتأييده وبشره؟ ويقول – صلَّى الله عليه وسلَّم -:”واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا”، ويقول – صلَّى الله عليه وسلَّم -:”وما أعطي أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، ومن يتصبَّر يصبِّره الله”.
قَالَ رَسُولُ صلي الله عليه وسلم :” عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ”( مسلم).
وعنْ أَنسٍ قَالَ: لمَّا ثقُلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم جَعَلَ يتغشَّاهُ الكرْبُ فقَالتْ فاطِمَةُ رَضِيَ الله عنْهَا: واكَرْبَ أبَتَاهُ، فَقَالَ: ليْسَ عَلَى أَبيكِ كرْبٌ بعْدَ اليَوْمِ فلمَّا مَاتَ قالَتْ: يَا أبتَاهُ أَجَابَ رَبّاً دعَاهُ، يَا أبتَاهُ جنَّةُ الفِرْدَوْسِ مأوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جبْريلَ نْنعَاهُ، فلَمَّا دُفنَ قالتْ فاطِمَةُ رَضِيَ الله عَنهَا: أطَابتْ أنفسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رسُول صلي الله عليه وسلم التُّرابَ؟”(البُخاريُّ)..
وعنْ أبي زيْد أُسامَة بن زيد حَارثَةَ موْلَى رسُول الله صلي الله عليه وسلم وحبَّهِ وابْنِ حبِّهِ رضيَ اللهُ عنهُمَا، قال : أَرْسلَتْ بنْتُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم :إنَّ ابْنِي قَدِ احتُضِرَ فاشْهدْنَا، فأَرسَلَ يقْرِئُ السَّلامَ ويَقُول: إنَّ للَّه مَا أَخَذَ، ولهُ مَا أعْطَى، وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسمَّى، فلتصْبِر ولتحْتسبْ فأرسَلَتْ إِليْهِ تُقْسمُ عَلَيْهِ ليأْتينَّها. فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنِ ثاَبِتٍ، وَرِجَالٌ ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم الصبيُّ، فأقعَدَهُ في حِجْرِهِ ونَفْسُهُ تَقعْقعُ، فَفَاضتْ عَيْناهُ، فقالَ سعْدٌ: يَا رسُولَ الله مَا هَذَا؟ فقالَ: هَذِهِ رَحْمةٌ جعلَهَا اللَّهُ تعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ وفي روِايةٍ: فِي قُلُوبِ منْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ منْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ”( مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الله مع الذاكرين والذاكرات
أيها المسلمون: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً “(البخاري عن أبي هريرة).
أنا معه إذا ذكرني، كلمة ذكرني واسعة جداً، في كل مظهر كوني يذكر الله، في الكسوف، والخسوف، والمطر، وفي كل موقف، وتصرف، وحكم، يذكر الله، الحقيقة الوحيدة في الكون هي الله، إن ذكرتها فأنت على حق، وإن غفلت عنها فأنت على باطل، ربط الناس بالله عقيدة وسلوكاً وتصرفات:”وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ”
إن ذكرت الله لتعرف الناس به ذكرك الله بأطيب سيرة، وأعطر قصة في أرقى مستوى، لذلك إذا أحبّ الله عبداً ألقى حبه في قلوب الخلق، تجد المؤمن محبوباً، الناس يعشقونه مع أنه لا يتحدث عن نفسه أبداً، يتحدث عن الله عز وجل، هذا مصداق قول الله عز وجل: “وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ..
إن خير المجالس وأزكاها وأطهرها وأشرفها واعلاها قدراً عند الله وأجلها مكانة عنده مجالس الذكر, فهي حياة القلوب ونماء الإيمان وزكاء النفس وسبيل السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة , ولهذا ورد في فضلها والحث على لزومها
والترغيب في المحافظة عليها نصوص كثيرة في الكتاب والسنة , مما يدل على شريف قدر تلك المجالس ورفيع شأنها وعلو مكانتها وأنها خير المجالس . إن مجالس الذكر هي رياض الجنة في الدنيا . فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا”, قالوا : وما رياض الجنة ؟ قال حلق الذكر”(المعجم الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما) .فمن شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا , فليستوطن مجالس الذكر فإنها رياض الجنة.
ومجالس الذكر هي مجالس الملائكة مجالس سلام , فإنه ليس من مجالس الدنيا مجلس إلا مجلس يذكر فيه الله تعالى فيه , كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن لله ملائكة فضلاً , يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر, فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالو تنادوا : هلموا إلى حاجتكم , قال : فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا , قال : فيسألهم ربهم تعالى وهو أعلم بهم : مايقول عبادي ؟ قال : يقولون : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال : فيقول : هل رأوني ؟ فيقولون : لا والله مارأوك , قال فيقول : كيف لو رأوني : قال : فيقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة , وأشد لك تحميداً وتمجيداً , وأكثر لك تسبيحاً , قال : فيقول : مايسألوني؟
قال : يسألونك الجنة , قال: فيقول: هل رأوها , قال : فيقولون ل: لا والله يا رب ما رأوها, قال : فيقول : فكيف لوأنهم رأوها ؟ قال: يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليهم حرصا , وأشد لها طلباً , وأعظم فيها رغبة , قال: فيقول : فمم يتعوذون ؟ قال : من النار , قال : يقول : وهل رأوها ؟
قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً, وأشد لها مخافة ,قال: يقول:” فأشهدكم أني قد غفرت لهم . قال : فيقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم , إنما جاء لحاجة , قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم “( البخاري).
فمجالس الذكر هي مجالس الملائكة بخلاف مجالس الغفلة واللهو والباطل فإنها مجالس الشيطان , والله تعالى يقول: “وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ”(الزخرف/ 36). , إن مجالس الذكر تؤمن العبد من الحسرة والندامة يوم القيامة بخلاف مجالس اللهو والغفلة فإنه تكون على صاحبها حسرة وندامة يوم القيامة , فعن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة”(الترمذي). أي نقص وتبعة وحسرة.
وذكر الله طمأنينة واستئناس وأنس وسلام نفسي :” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد/28). ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين
وذكر الله زيادة في إيمان :”إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”(الأنفال/ ٢).
الله سبحانه وتعالى ذكر أن من صفات المؤمنين أنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون. هذا من صفات المؤمنين. ترغب فيما عند الله وتطمئن، فهي تجمع بين الوجل والطمأنينة، هذه صفات المؤمنين، المؤمن يأنس بذكر الله، بالتسبيح والتهليل والتكبير، ذكر الله باللسان وتلاوة القرآن، فالمؤمن يعيش مع ذكر الله ويطمئن وينشرح صدره ويأنس بذكر الله عز وجل بأنواع الذكر القولية والفعلية والقلبية أيضًا، فذكر الله حياة القلوب، دائمًا وأبدًا، ولهذا يجد الإنسان من نفسه أنه إذا ذكر الله، إذا قال لا إله إلا الله يجد راحة ويجد لذة ويجد انشراح صدر، هذا شيء يجده الإنسان المسلم، شيء واضح، حينما يتلو القرآن يتلذذ به ويأنس به ويألفه لأنه يطرد الشيطان، لأن ذكر الله يطرد عنه الشيطان، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الذي يذكر والذي لا يذكر الله قال:”مثل الحي والميت “، الذي يذكر الله مثل الحي والذي لا يذكر الله مثل الميت، ينبغي للمسلم أن يكثر من ذكر الله عز وجل بالقول وبالفعل وبالقلب وبالتفكر وبذلك يعيش في حياته مطمئنًا.
:”وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”(الأحزاب/35).
وقد عد من صفات النفاق الغافلين الذين لايذكرون الله قال تعالي:”إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا”(النساء/142).
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فيا جماعة الإسلام لا زلنا نواصل الحديث حول معية الله والأنس والاستئناس بالله فإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ فزيادة علي ما ذكرنا فالله مع
المصلين الذين يؤتون الزكاة المؤمنون
قال تعالي :” إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي “(المائدة/ 12). فإذا كان الله مع المتقين والمحسنين والصابرين فإن الله مع المصلين المزكين المؤمنين فأولئك تطمئن قلوبهم بذكر الله بالأعمال الصالحة، بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك، فتنشرح صدورهم وتطمئن قلوبهم بذكر الله عز وجل، وتستوحش من الغفلة وعدم ذكر الله عز وجل، ولهذا قال سبحانه وتعالى: “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ”(العنكبوت/45). ، الصلاة تبعد الإنسان عن الفحشاء وعن المنكر، وتقربه من طاعة الله، وتحببه إلى الله، وأيضًا تطمئنه، ويأنس بها، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة، وقال لبلال: أقم الصلاة، أرحنا بها ، فيستريح إذا دخل في الصلاة يستريح من هموم الدنيا ومن المكدرات لأنه يناجي ربه ويتلوا كتابه فينشرح صدره وتطمئن نفسه، وهكذا المؤمنون مع الصلاة، ولهذا قال جل وعلا: “”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”، فالمؤمن يعيش مع ذكر الله ويطمئن وينشرح صدره ويأنس بذكر الله عز وجل بأنواع الذكر القولية والفعلية والقلبية أيضًا، فذكر الله حياة القلوب، دائمًا وأبدًا، ولهذا يجد الإنسان من نفسه أنه إذا ذكر الله، إذا قال لا إله إلا الله يجد راحة ويجد لذة ويجد انشراح صدر، هذا شيء يجده الإنسان المسلم، شيء واضح، حينما يتلو القرآن يتلذذ به ويأنس به ويألفه لأنه يطرد الشيطان، لأن ذكر الله يطرد عنه الشيطان، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الذي يذكر والذي لا يذكر الله قال: مثل الحي والميت ، الذي يذكر الله مثل الحي والذي لا يذكر الله مثل الميت، ينبغي للمسلم أن يكثر من ذكر الله عز وجل بالقول وبالفعل وبالقلب وبالتفكر وبذلك يعيش في حياته مطمئنًا. والصلاة ذكر لله عز وجل، ولهذا فرضها الله في اليوم والليلة خمس مرات لحاجة العباد إليها، وأنها أعظم الذكر، وتجمع من الأذكار ما لا يجتمع في غيرها، ولهذا قال: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، والصلاة فيها فائدتان، الفائدة الأولى: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، الفائدة العظمى: ذكر الله (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ). وقد جاء في الحديث من رواية عمران ، وابن عباس مرفوعا : ” من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم تزده من الله إلا بعدا ” .
إذا كان الله معك فمن عليك ؟
إخوة الإيمان والإسلام :” إذا أحبّ الله عبداً ألقى حبه في قلوب الخلق إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا مواطن بمملكة الملك معه عندئذ الملايين لا قيمة لها، إذا كان من بيده كل شيء معه ما قيمة هؤلاء الرعاع وهؤلاء السوقة وهذه الدهماء؟ لا قيمة لها إطلاقاً، فإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ إذا كان الله معك خدمك عدوك مقهوراً، وإذا كان الله ليس معك تطاول عليك أقرب الناس إليك:” وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ”(الحج/18).
لذلك قالها حبيبنا محمد لصديقه أبو بكر :” يا أبا بكر ما ظنك بإثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا “نعم لو وقفتِ الدنيا كلّ الدنيا في وجوهنا، لو حاربنا البشر كلّ البشر، ونازلنا كلُّ مَن على وجه الأرض، فلا تحزن؛ لأنّ الله معنا. مَن أقوى منّا قلباً؟ مَن أهدى منّا نهجاً؟ مَن أجلّ منّا مبدأً؟ مَن أحسن منّا مسيرةً؟ مَن أرفع منا قدراً؟ لأنّ الله معنا. ما أضعفَ عدوَّنا! ما أذلَّ خصمَنا! ما أحقرَ مَن حاربنا! ما أجبن مَن قاتلنا! لأنّ الله معنا. لن نقصد بشراً، لن نلتجئ إلى عبدٍ، لن ندعوَ إنساناً، لن نخاف مخلوقاً؛ لأنّ الله معنا. نحن أقوى عدةً، وأمضى سلاحاً، وأثبتُ جَناناً، وأقوم نهجاً؛ لأنّ الله معنا. نحن الأكثرون الأكرمون الأعلون الأعزّون المنصورون؛ لأنّ الله معنا. يا أبا بكرٍ! اهجرْ همّك، وأزلْ غمّك، واطردْ حزنك، وانسَ يأسك؛ لأنّ الله معنا. يا أبا بكر! ارفعْ رأسك، وهدّئْ من روعك، وأرحْ قلبك؛ لأنّ الله معنا.
“لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا”.. إذن معنا الركن الذي لا يُضام، والقوة التي لا تُرام، والعزة التي لا تُغلب. وما دام الله معنا فمِمّنْ نخاف؟ ومن نخشى؟ ومن نرهب؟ فهو القوي العزيز، وهم الضعفاء الأذلاّء، ما دام الله معنا فلا تأسفْ على قِلّةٍ من عدد، أو عوزٍ من عتاد، أو فقرٍ من مال، أو تخاذلٍ من أنصار.
إن الله معنا وكفى، معنا بحفظه ورعايته، بقوته وجبروته، بكفايته وعنايته، وإن أعظم كلمة في الخَطْب وأشرف جملة في الكرْب هي هذه الكلمة الصادقة الساطعة: لا تحزن إن الله معنا. وسرّ هذه الكلمة في مدلولها وعظمتها في معناها يوم تذكر معية الله ـ عزّ وجلّ ـ وهو الذي بيده مقاليد الحكم، ورقاب العباد، ومقادير الخلق، وأرزاق الكائنات.
عباد الله :” أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم وللمسلمين والمؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
وأقم الصلاة ..